تدفق المساعدات إلى غزة يتواصل: دعم سعودي يواجه تحديات تعرقل الإغاثة
تواصل المملكة العربية السعودية جهودها الإنسانية لدعم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث سجّلت الحملة الشعبية السعودية لإغاثة القطاع رقماً جديداً بتجاوز حجم التبرعات 706 ملايين ريال سعودي (نحو 188 مليون دولار)، بمشاركة أكثر من مليوني متبرع.
في إطار هذه الحملة، وصلت إلى مطار العريش الدولي في مصر، يوم الاثنين، الطائرة الإغاثية السعودية الـ56، التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، بالتنسيق مع وزارة الدفاع السعودية. وتحمل الطائرة على متنها مساعدات غذائية وإيوائية، تمهيداً لنقلها إلى قطاع غزة. وتُعَد هذه المبادرة استمراراً للدور الإنساني الذي تقدّمه المملكة لدعم الفلسطينيين في أزماتهم.
حجم المساعدات وأثرها
منذ إطلاق الحملة في نوفمبر 2023، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، شارك المواطنون والمؤسسات بتبرعات مالية وعينية شملت سيارات إسعاف، ومستلزمات طبية، وسلال غذائية، ومواد إيوائية. وكان الملك سلمان الحرمين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان قد استهلا الحملة بتبرع شخصي قدره 50 مليون ريال (أكثر من 13 مليون دولار).
وبحسب أحدث الإحصائيات حتى 22 يناير 2025، بلغ إجمالي المساعدات السعودية إلى غزة 7061 طناً، عبر 54 طائرة و8 بواخر، تضمّنت 20 سيارة إسعاف، و30 مولداً كهربائياً، و10 صهاريج مياه، إضافة إلى 62 معدة لوجستية. ووصلت الطائرة الإغاثية الـ55 يوم الجمعة، كما أعلن المركز عن قوافل مساعدات لدعم المستشفيات والمراكز الصحية في جنوب القطاع.
وفي تصريحات سابقة، أوضح الدكتور سامر الجطيلي، المتحدث باسم مركز الملك سلمان للإغاثة، أن السعودية قدّمت مساعدات لفلسطين خلال العقد الأخير بقيمة 5.2 مليار دولار، شملت مشاريع تنموية وإغاثية. كما قدمت المملكة مساعدات طارئة بقيمة مليار دولار لوكالة الأونروا، وساهمت بمبادرة خليجية لتقديم 100 مليون دولار دعماً للوكالة بعد بدء الحرب في غزة.
معضلة توزيع المساعدات في غزة
رغم تزايد حجم المساعدات الدولية الواصلة إلى قطاع غزة، لا تزال معاناة السكان قائمة، وفق تقرير لوكالة "أسوشييتد برس". فبعد سريان وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، أُثيرت تساؤلات حول مدى كفاية المساعدات في تلبية احتياجات سكان القطاع الذين يعانون الجوع والتشريد والدمار.
عقبات أمام الإغاثة
تقول إسرائيل إنها سمحت بدخول 600 شاحنة مساعدات يومياً، مما رفع عدد الشاحنات الواصلة إلى القطاع إلى نحو 4200 شاحنة أسبوعياً منذ بدء الهدنة. لكن المنظمات الإنسانية تؤكد أن عمليات التوزيع لا تزال معقدة بسبب الدمار الذي طال الطرق، وعمليات التفتيش الإسرائيلية، وتهديدات القنابل غير المنفجرة.
وينقل التقرير عن فلسطينيين في غزة معاناتهم اليومية رغم تدفق المساعدات. يقول أشرف أبو هولي، البالغ من العمر 68 عاماً، من جباليا: "لديّ أكثر من 10 أطفال يحتاجون إلى الطعام والحليب. قبل الهدنة كان الوضع صعباً، واليوم هناك بعض التحسن، لكنه لا يكفي".
من جانبه، أوضح برنامج الأغذية العالمي أنه وزّع خلال الأيام الأربعة الأولى من الهدنة كمية مساعدات تفوق ما كان يُوزَّع خلال شهر كامل من الحرب. ومنذ وقف إطلاق النار، دخلت غزة أكثر من 32 ألف طن من المساعدات، عبر معبرين في الشمال ومعبر واحد في الجنوب، وفق بيانات الأمم المتحدة.
القيود والتحديات اللوجستية
رغم الجهود، لا تزال أسعار المواد الغذائية مرتفعة، إذ يكلف الدقيق وغاز الطهي ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل الحرب. كما يواجه سكان غزة أزمة نقص في الخيام والملاجئ، رغم تدفق السلع الكمالية مثل الشوكولاتة والمكسرات.
ويشتكي السكان من أن بعض المواد الأساسية مثل الوقود والمعدات الطبية لا تزال تخضع لقيود إسرائيلية صارمة. فبينما تسمح إسرائيل بدخول بعض المواد دون عوائق، تتطلب مواد أخرى مثل أجهزة تحلية المياه والخيام الكبيرة موافقة مسبقة، مما يزيد من صعوبة إيصالها للمتضررين.
مخاطر إنسانية مستمرة
تسببت الحرب في دمار واسع للبنية التحتية في غزة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، مما يزيد من مخاطر تفشي الأمراض. كما لا تزال الطرق مليئة بالقنابل غير المنفجرة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 5 إلى 10% من الذخائر المستخدمة لم تنفجر، مما يجعل التنقل خطيراً على المدنيين وعمال الإغاثة.
ويقول جوناثان كريكس، مسؤول التواصل في "اليونيسيف": "رأيت آلاف العائلات تمشي في شوارع غزة بلا شيء سوى الملابس التي يرتدونها".
في ظل استمرار الأزمة، يظل الدعم الإغاثي السعودي والدولي ضرورة ملحّة، لكنه يواجه تحديات تعيق وصوله إلى المستحقين بشكل فعّال. وبينما تحاول المنظمات الإنسانية تحسين آليات التوزيع، تبقى معاناة الفلسطينيين في غزة شاهداً على الحاجة إلى حلول أكثر استدامة وإجراءات دولية تضمن وصول المساعدات بفعالية ودون عوائق.