بعد زيارة الشرع للرياض.. هل بدأت مرحلة جديدة من التعاون بين السعودية وسوريا؟
استقبل الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، الأحد، في أول زيارة خارجية للأخير منذ توليه منصبه. تناول اللقاء سبل دعم سوريا، والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وسط جهود دبلوماسية مكثفة تقودها الرياض لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وفقاً لـ"وكالة الأنباء السعودية"، استعرض الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين، وفرص تطويرها، بالإضافة إلى مناقشة الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة لإرساء الاستقرار. بدوره، أكد الشرع، في بيان نشرته وكالة الأنباء السورية "سانا"، أن دمشق لمست رغبة حقيقية من السعودية في دعم سوريا، قائلاً: "عملنا على رفع مستوى التواصل والتعاون، خاصة في المجالات الإنسانية والاقتصادية، حيث ناقشنا خططاً واسعة تشمل الطاقة، والتقنية، والتعليم، والصحة".
كما شدد الرئيس السوري على استمرار التعاون السياسي والدبلوماسي مع السعودية، لتعزيز موقف سوريا في القضايا العربية والدولية، مؤكداً أن الاجتماع تضمن نقاشات حول رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وهو الملف الذي توليه الرياض أهمية خاصة ضمن جهودها لإنعاش الاقتصاد السوري وتحقيق حياة كريمة لشعبه.
حراك دبلوماسي نحو مرحلة جديدة
تأتي هذه الزيارة في ظل حراك دبلوماسي متصاعد بين البلدين، بعد شهرين من سقوط نظام بشار الأسد، وتولي الشرع قيادة المرحلة الانتقالية. وخلال الأسابيع الماضية، شهدت العلاقات بين دمشق والرياض دفعة قوية، حيث زار مسؤولون سوريون المملكة أكثر من مرة، وعقدت اجتماعات مكثفة لبحث مستقبل التعاون المشترك.
وكانت وزارة الخارجية السعودية قد أكدت في بيان سابق دعمها للخطوات الإيجابية التي اتخذتها سوريا لضمان سلامة شعبها، مشددة على ضرورة تجاوز التدخلات الخارجية، وتعزيز الاستقرار عبر الحوار الداخلي. كما دعت المجتمع الدولي إلى مساعدة سوريا في تحقيق تطلعات شعبها، متهمة أطرافاً خارجية، من بينها إسرائيل، بمحاولة عرقلة مسيرة إعادة البناء في سوريا.
دور سعودي بارز في دعم سوريا
السعودية لعبت دوراً محورياً في دعم سوريا إنسانياً واقتصادياً، حيث أطلقت مع بداية عام 2025 جسراً جوياً وبرياً إغاثياً إلى سوريا، بهدف التخفيف من معاناة السوريين. حتى الآن، وصلت 16 طائرة إغاثية إلى دمشق، بالإضافة إلى 114 شاحنة محملة بالمساعدات. وأكدت الرياض أن دعمها مستمر دون سقف زمني محدد، التزاماً بتوجيهات القيادة السعودية.
في السياق ذاته، زار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان دمشق في 24 يناير الماضي، حيث التقى الرئيس الشرع وناقش معه دعم الأمن والاستقرار في سوريا. كما شدد على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على دمشق، مؤكداً أن استمرارها يعيق خطط إعادة الإعمار.
رؤية مشتركة لمستقبل اقتصادي واعد
يُنظر إلى السعودية كشريك استراتيجي رئيسي لسوريا في مرحلة ما بعد الحرب، خاصة في ظل تطلع دمشق إلى الاستفادة من "رؤية السعودية 2030"، التي اعتبرها الرئيس الشرع نموذجاً يمكن استلهامه لإعادة بناء الاقتصاد السوري. وأكد الشرع، في تصريحاته خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أن حكومته تسعى للاستفادة من التجربة السعودية في الإصلاح الإداري والاقتصادي، ومكافحة الفساد.
من جانبه، أشار المحلل السياسي السعودي منيف الحربي إلى أن زيارة الشرع للرياض تحمل أربع دلالات رئيسية:
الدور السعودي المحوري: باعتبار الرياض أحد أبرز الفاعلين الإقليميين القادرين على مساعدة سوريا في تحقيق الاستقرار.
مساعي رفع العقوبات: حيث تعمل الرياض بجدية لإقناع الأطراف الدولية بإنهاء العقوبات المفروضة على دمشق.
الدعم الإغاثي المستمر: عبر الجسور الجوية والبرية التي تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية للسوريين.
الشراكة الاقتصادية: مع وجود توجه سوري واضح للاستفادة من النموذج السعودي في التنمية والاستثمار.
نحو شراكة استراتيجية طويلة الأمد.
وتأتي زيارة الشرع إلى الرياض في وقت تسعى فيه السعودية إلى تأدية دور قيادي في إعادة سوريا إلى مكانتها الطبيعية ضمن المنظومة العربية. وأكد رئيس حركة التجديد الوطني السورية، عبيدة نحاس، أن السعودية تمثل "العمق الاستراتيجي لسوريا"، وأن القيادة السورية الجديدة تعي أهمية الرياض في تحقيق الاستقرار.
ويرى المراقبون أن العلاقات بين البلدين ستتجه نحو مزيد من التنسيق في المرحلة المقبلة، خاصة في الملفات الاقتصادية وإعادة الإعمار، مع استمرار الجهود الدبلوماسية السعودية لتعزيز مكانة دمشق عربياً ودولياً.