جدل مغربي متصاعد حول تعديلات مدونة الأسرة.. بين الإصلاح الشامل والخلاف المجتمعي
يشهد المغرب منذ منتصف الشهر الماضي نقاشًا حادًا حول التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، التي تُعتبر إحدى ركائز القانون المدني والاجتماعي.
ورغم إعلان وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن ملامح هذه التعديلات، إلا أنها قوبلت بانتقادات واسعة من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، مع اتفاق عام على عدم تحقيقها تطلعات الإصلاح الشامل.
نقاط التعديل الرئيسية
تتضمن مدونة الأسرة المغربية، التي أقرت عام 2004، قوانين الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال. التعديلات الجديدة تشمل:
-استئذان الزوجة قبل زواج زوجها بأخرى.
-الحفاظ على حضانة الأم المطلقة رغم زواجها مرة ثانية.
-اعتبار الأعمال المنزلية إسهامًا غير مدفوع الأجر في تكوين الثروة الزوجية.
لكن هذه التعديلات لم تُفَصّل بشكل كافٍ، مما فتح باب الانتقادات حول غياب الشفافية والوضوح في الطرح.
الانتقادات المجتمعية والنسائية
وترى منظمات نسائية مثل اتحاد العمل النسائي أن التعديلات “غير كافية”، وتطالب بإصلاحات أكثر عمقًا. ركزت هذه الجهات على نقاط عدة، منها:
-النيابة القانونية للأبناء، إذ تطالب بتوحيدها مع حق الحضانة لتجنب تعقيدات التقاضي.
-رفض المدونة استخدام الخبرة الجينية لإثبات النسب، وهو ما اعتبرته هذه الجهات عائقًا أمام تحقيق العدالة للأطفال.
الرؤية الدينية والمحافظة
من جانب آخر، أعربت جهات دينية مثل رابطة علماء المغرب العربي ومجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان عن معارضتها الشديدة للتعديلات.
واعتبرت الرابطة أن التعديلات “مخالفة للشريعة”، خاصة فيما يتعلق بتقسيم الثروة أو النيابة القانونية.
وحذرت من تأثير هذه القوانين على بنية الأسرة، معتبرة أنها ستعمق الهوة الاجتماعية وتدفع الشباب للعزوف عن الزواج.
التأثير على الرأي العام والنقاشات الشعبية.
وانتقل الجدل حول التعديلات إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تراوحت التعليقات بين النقد الجاد والسخرية. أظهرت النقاشات الشعبية تباينًا بين تيارين:
-تيار حداثي: يرى أن التعديلات خطوة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين.
-تيار محافظ: يعتبر أن التعديلات تتجاهل القيم الدينية والتقاليد الثقافية للمجتمع المغربي.
الدور الملكي وصمام الأمان
تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس بتكليف الحكومة توضيح التعديلات للرأي العام، مع إحالة النصوص ذات الطابع الديني إلى المجلس العلمي الأعلى، لضمان التوازن بين متطلبات العصر والمرجعية الدينية.
يبقى الجدل حول تعديلات مدونة الأسرة في المغرب عاكسًا لتجاذب بين تيارين: تيار يدعو إلى مواكبة التحولات الاجتماعية وتحقيق المساواة، وتيار يصر على الحفاظ على القيم الدينية والثقافية.
وبين هذين التيارين، تظل المؤسسة الملكية صمام أمان يوازن بين متطلبات العصر وحماية الهوية المغربية.
التحدي الأكبر يكمن في صياغة قانون يُرضي جميع الأطراف ويحقق إصلاحًا حقيقيًا يحافظ على استقرار الأسرة وحقوق أفرادها، مع مراعاة التحولات الاجتماعية والثقافية في المغرب.